کد مطلب:281463 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:193

هل بإمکان أحد أن یتملص من الامتحان الإلهی؟
وهل شیعة آل محمد صلی الله علیه و آله و سلم مستثنون من الامتحان؟

الجواب واضح وصریح، لا یمكن لأحد الفرار من الامتحان الربانی. فالجمیع یخضعون للفتنة, بل كل الدنیا هی فی الحقیقة قاعة الامتحان الإلهی یؤدون امتحاناتهم الیومیة أمام ربهم، وبحضور من الملائكته الكرام الكاتبین, وبشهود من الزمان والمكان.

ولكن هناك امتحان رئیسی ونهائی بانتظار كثیر من الناس ألا وهو یوم خروج الإمام المهدی علیه السلام.

فكم من أناس یتظاهرون الیوم بالإیمان والتقوی ولكن حین خروج الإمام یسقطون فی الامتحان ویكفرون بالإمام!!.

وكم من أناس لم یكونوا مؤمنین قبل خروجه ولكنهم یؤمنون به إذا نهض علیه السلام. جاء عن الإمام الصادق علیه السلام: - إذا خرج القائم علیه السلام خرج من هذا الأمر من كان یُری أنه من أهله ودخل فیه شبه عبدة الشمس والقمر-. وهذا إن دلَّ علی شیء فإنما یدل علی صعوبة الامتحان وشدته وعلی حدّ تعبیر الإمام الحسین علیه السلام الذی وصف هذا الامتحان بأعظم البلیة حین قال: - أعظم البلیة أن یخرج إلیهم صاحبهم شاباً وهم یحسبونه شیخاً كبیراً-.

ولذا فالإنسان لا یستطیع أن یطمئن علی حسن عاقبته بما هو علیه الآن بل لابد أن یجاهد نفسه دائماً حتی لا یسقط عند الإمتحان.

من هنا نعرف أن الأمور مرهونة بخواتیمها , والامتحانات المصیریة بنهایتها، حیث تحدد مصیر الإنسان. فلا تشفع للإنسان الادعاءات الفارغة أیام الانتظار, ولا تفیده الكلمات المعسولة قبل أیام الخروج , وإنما الإیمان بالإمام المهدی علیه السلام والمواقف البطولیة معه تبشره بالفوز والانتصار. وأی تردد أو شك بشخصیة الإمام الربانیة تؤدی به إلی السقوط ومن ثم لجأت الجحیم. بید أن الامتحان النهائی المكلل بالنجاح له هو ما یقوم به من الأعمال الصالحة والمواقف الإیمانیة الخالصة لله عز وجل, التی یجب علی الإنسان القیام بها قبل ذلك، حتی یحقق لنفسه الفوز والنجاح.

ولكن السؤال ما هی تلك الأعمال؟ وما هی تلك المقدمات؟

فی الحقیقة نستطیع أن نلخص ذلك فی الأمور التالیة:

1- ترسیخ الإیمان بأصول الدین وبالأخص بالإمامة والولایة لأهل البیت علیهما السلام.

2- تطهیر القلب من الأحقاد والضغائن، ومن حب الدنیا وحب الرئاسة.

3- ضبط النفس من الانزلاق فی مستنقع الشهوات والأهواء

4 - التمسك بالمبادئ والقیم الربانیة وعدم الانحراف عنها، رغبة فی المصالح المادیة التی تأتی علی حساب الشرع المقدس.

5 - تربیة النفس علی قبول الحقائق والتسلیم لأمر الله، والخضوع للحق والحقیقة وإن كان ذلك مخالفاً لمعتقداته المسبقة. وهذا من أهم النقاط الرئیسیة فی إیمان العبد فالتسلیم لأمر الله مهما كان وإن كان مخالفاً لأهوائه ومعتقداته هو الإیمان بعینه، وكما قال الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام فی حقیقة الإسلام: - الإسلام هو التسلیم-.

فالوقوف دائماً إلی جانب الحق والحقیقة یسهِّل للإنسان تلبیة نداء الإمام علیه السلام یوم ظهوره وخروجه، وإلاّ یكون المرء فی مهب التیارات المنحرفة ینجرف شیئاً فشیئاً ویبتعد عن المبادئ والقیم ویترك الحق ویتشبث بالباطل من أجل مصلحة معینة هنا, أو الحصول علی منصب معین هناك، مما یجعله فی دوامة المصالح والمكاسب غیر المشروعة. وهذا هو الشغل الشاغل للكثیرین الذین تصرعهم المطامع المناصب و یسقطون فی هذه المزالق , ویتركون المبادئ, إن لم یقفوا فی وجهها ویحاربوا أصحابها وتبقی الأقلیة المؤمنة التی لم تغرها المصالح الزائلة ولم تسقط فی مستنقع المطامع, تبقی وفیّة مع القیم والمبادئ.

فالفتن والابتلاءات فی آخر الزمان تسوق الجمیع إلی قاعات الامتحانات الإلهیة. فكم یا تری من الناس یفوزون ویظلون أوفیاء مع مبادئهم وقیمهم؟

إلی هذه الحقیقة تشیر الروایات الواضحة عن وضع الشیعة أیام الغیبة حیث یدخلون فی سلسلة من الامتحانات والفتن, ولا ینج منها إلا المؤمن الصابر, والمجاهد العابد، وهم الأقلون عدداً والأعظمون عند الله قدراً.

فلنتدبر فی هذه الروایات بشكل أعمق وبدقة أكثر، حتی نعرف أین نحن فی هذا الامتحان , هل نكون من الفائزین ومع الناجین أم نكون من الفاشلین والخاسرین (والعیاذ بالله).

وقد أكد أهل البیت علیهما السلام علی ضرورة التضرع إلی الله تعالی بطلب الاستقامة فی دین الله عز وجل بتكرار قراءة هذا الدعاء المسمی بدعاء الغریق، الذی رواه محمد بن بابویه (ره) بإسناده فی كتاب الغیبة عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: - سیصیبكم شبهة فتبقون بلا علم یری ولا إمام هدی ولا ینجو إلا من دعا بدعاء الغریق. قلت: كیف دعاء الغریق؟ قال تقول: یا الله یا رحمن یا رحیم یا مقلب القلوب ثبت قلبی علی دینك. فقلت: یا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبی علی دینك. فقال: إن الله عز وجل مقلب القلوب والأبصار، ولكن قل كما أقول لك: یا مقلب القلوب ثبت قلبی علی دینك- لعل معنی نهی الإمام لصاحبه عن إضافة الأبصار لأن تقلب القلوب والأبصار لا یكون إلا فی یوم القیامة من شدة أهواله، وفی الغیبة إنما یخاف من تقلب القلوب دون الأبصار.

من هنا یظهر أن فی آخر الزمان ومن شدة الأزمات والفتن تتقلب القلوب وتتغیر النفوس وینجرف الناس نحو المفاسد والشهوات وإطاعة الطواغیت والجبابرة والهجوم علی الدنیا وملذاتها والابتعاد عن القیم والمبادئ مما یسبب السقوط فی الامتحانات الإلهیة بأعداد غفیره ولا یكون خروج الإمام الحجة علیه السلام إلا بعد امتحان عسیر حتی یتمیز الخبیث من الطیب والقلوب المریضة عن القلوب الطیبة السلیمة، وتجری هذه الامتحانات والابتلاءات علی الجمیع حتی تظل الفئة المؤمنة المخلصة القلیلة المجاهدة تصارع المشاكل والأزمات بقلب مفعم بالإیمان وبصبر كالجبال الرواسی، لا تحركها العواصف، كما جاء فی الحدیث الشریف: - المؤمن كالجبل الأشم لا تحركه العواصف- وهی الصفوة الطاهرة التی تكون من أنصار الإمام المهدی علیه السلام وقد أشار أهل البیت علیهما السلام إلی ذلك الامتحان والتمحیص فی العدید من أحادیثهم الشریفة والیك بعضها:

1- الحسین بن عبید الله عن محمد بن سفیانی البزوفری عن أحمد بن إدریس عن علی بن محمد بن قتیبة عن الفضل بن شاذان عن ابن أبی نجران عن محمد بن منصور عن أبیه قال: كنا عند أبی عبد الله علیه السلام جماعة نتحدث فقال لنا: - فی أیَّ شیء أنتم؟ هیهات هیهات, لا والله لا یكون ما تمدون إلیه أعینكم حتی تغربلوا , لا والله لا یكون ما تمدون إلیه أعینكم حتی تمحصوا، لا والله لا یكون ما تمدون إلیه أعینكم حتی تمیزوا , لا والله لا یكون ما تمدون إلیه أعینكم إلا بعد ایاس , لا والله لا یكون ما تمدون إلیه أعینكم حتی یشقی من یشقی ویسعد من یسعد-.

2- أحمد بن إدریس عن علی بن محمد بن قتیبة عن الفضل بن شاذان عن أحمد بن محمد بن أبی نصر قال: قال أبو الحسن علیه السلام: والله لا یكون ما تمدون إلیه أعینكم حتی تمیزوا وتمحصوا, حتی لا یبقی منكم إلا الأندر. ثم تلا: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا یَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِینَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَیَعْلَمَ الصَّابِرِینَ) (آل عمران،142).

3- وروی محمد بن جعفر الأسدی عن أبی سعید الأدمی عن محمد بن الحسین عن محمد بن أبی عمیر عن أبی أیوب عن محمد بن مسلم وأبی بصیر قالا: سمعنا أبا عبد الله علیه السلام یقول: لا یكون هذا الأمر حتی یذهب ثلث الناس. فقیل له: إذا ذهب ثلث الناس فمن یبقی؟ فقال علیه السلام: أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقی.

4- وروی عن جابر الجعفی قال: قلت لأبی جعفر علیه السلام: متی یكون فرجكم؟ فقال: - هیهات هیهات، لا یكون فرجنا حتی تغربلوا ثم تغربلوا ثم تغربلوا (یقولها ثلاثاً) حتی یذهب الله تعالی الكدر ویبقی الصفو-.

5- وروی جعفر بن محمد بن مالك الكوفی عن اسحاق بن محمد عن أبی هاشم عن فرات بن أحنف قال: قال أمیر المؤمنین علی علیه السلام وذكر القائم علیه السلام فقال: - ولیغیبن عنهم تمییزاً لأهل الضلالة حتی یقول الجاهل: ما لله فی آل محمد حاجة-.

6- ولكی نعرف شدة الامتحان وصعوبة التمحیص ومدی السقوط الكبیر الهائل لكثیر من الناس ضرب أهل البیت لذلك مثلاً لنا، حیث جاء فی الحدیث الشریف عن أمیر المؤمنین علیه السلام: -... فو الذی نفسی بیده ما ترون ما تحبون حتی یتفل بعضكم فی وجوه بعض، وحتی یسمی بعضكم بعضاً كذابین وحتی لا یبقی منكم (أو قال من شیعتی) إلاّ كالكحل فی العین أو كالملح فی الطعام وسأضرب لكم مثلاً وهو مثل رجل كان له طعام فنقاه وطیبه, ثم أدخله بیتاً وتركه فیه ما شاء الله، ثم عاد إلیه فإذا هو قد أصابه السوس , فأخرجه ونقاه وطیبه , ثم أعاده إلی البیت فتركه ما شاء الله، ثم أعاده إلیه فإذا هو قد أصابته طائفة من السوس فأخرجه ونقاه وطیبه وأعاده، ولم یزل كذلك حتی بقیت منه رزمة كرزمة الأندر لا یضره السوس شیئاً، وكذلك أنتم تمیزون حتی لا یبقی منكم إلا عصابة لا تضرها الفتنة شیئاً-.

7- عبد الواحد بن عبد الله بن یونس قال حدثنا أحمد بن محمد بن ریاح الزهری الكوفی قال حدثنا محمد بن العباس بن عیسی الحسینی عن الحسین بن علی البطائنی عن أبیه عن أبی بصیر قال: قال أبو جعفر محمد بن علی الباقر: - إنما مثل شیعتنا مثل الأندر -یعنی بیدراً فیه طعام- حتی بقی منه ما لا یضره الأكل وكذلك شیعتنا یمیزون و یمحصون حتی تبقی منهم عصابة لا تضرها الفتنة-.

8- حدثنا محمد بن یعقوب قال حدثنا علی بن إبراهیم عن عیسی عن یونس عن سلیمان بن صالح رفعه إلی أبی جعفر محمد بن علی الباقر علیه السلام قال: - إن حدیثكم هذا لتشمئز منه قلوب الرجال (فانبذوه إلیهم نبذاً) فمن أقر به فزیدوه ومن أنكره فذروه أنه لابد من أن تكون فتنة یسقط فیها كل بطانة وولیجة حتی یسقط فیها من یشق الشعرة (بشعرتین) حتی لا یبقی إلا نحن وشیعتنا-.

9- كأنی بكم تجولون جولان الإبل تبتغون مرعی ولا تجدونها یا معشر الشیعة-.

10- والله لتكسرن تكسر الزجاج, وإن الزجاج لیعاد فیعود(كما كان) و الله لتكسرن تكسر الفخار فإن الفخار لیتكسر فلا یعود كما كان والله لتغربلن، والله لتمیزن، و الله لتمحصن, حتی لا یبقی منكم إلا الأقل , وصعر كفه-.

قد یتساءل المرء لماذا هذا الامتحان؟ هل هو من أجل معرفة الناس أم أنه لاستخلاص المجموعة الطاهرة الطیبة المؤمنة من بین الفئات الفاسدة المنحرفة التی تدعی الولاء لأهل البیت، وهم بعیدون كل البعد عن منهج الرسول وآله الطیبین الطاهرین؟!

القضیة لیست من أجل معرفة الناس، فأهل البیت یعرفون الناس بسیماهم وبعلائمهم الموجودة علی جباههم والكتابة السریة المخطوطة علی نواصیهم، إنما الأمر من أجل تمییز المؤمنین المخلصین من المدعین المنافقین المنتفعین وهذا لا یتم إلا بالامتحان بعد الامتحان والقیام بغربلة كاملة للجمیع ولیمیز الخبیث من الطیب وتتواصل هذه المسیرة فی سلسلة مراحل من الامتحانات العسیرة حتی یستخلص منها العصابة الطاهرة القویة فی الإیمان والتقیة فی الأفعال والمخلصة فی الأعمال لتقوم بواجب التضحیة والفداء بین یدی ولی الله الأعظم الحجة بن الحسن العسكری علیهما الصلاة والسلام.

فما علی المؤمنین المخلصین من الشیعة إلا الصبر والمثابرة والقیام بالواجبات والفرائض الإلهیة والابتعاد عن المحرمات الإسلامیة وتخلیص نفوسهم من الضغائن وذواتهم من الكبر والتكبر والتسلیم المطلق للحق والحقیقة بانتظار الیوم الموعود للقیام بواجب الجهاد والفداء بین یدی ولی الله الأعظم لنیل رضی الله عز وجل والفوز بالجنة (وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ) (التوبة:72).